موجات حر قياسية تفتك بالملايين... والأمم المتحدة تُحذّر: لا مجال للأعذار

موجات حر قياسية تفتك بالملايين... والأمم المتحدة تُحذّر: لا مجال للأعذار
ارتفاع درجات الحرارة عالمياً

 

 

سجّلت درجات الحرارة حول العالم أرقاماً قياسية هذا الصيف، مصحوبة بحرائق غابات مدمّرة وتراجع خطير في جودة الهواء، وفقاً لتقرير حديث أصدرته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية الخميس وتُعدّ هذه التطورات المناخية المتطرفة تهديداً متزايداً للصحة العامة وللبيئة على حد سواء.

خلال الفترة بين عامي 2000 و2019، تُوفي ما يقرب من 489,000 شخص سنوياً بسبب عوامل مرتبطة بالحرارة، بحسب التقرير. أكثر من 80% من هذه الوفيات حدثت في أوروبا وآسيا وحدهما، ما يسلّط الضوء على فداحة الكارثة.

المدن الأكثر تضرراً: تأثير "الجزيرة الحرارية"

المدن باتت بؤراً حارّة بشكل خاص نتيجة لما يعرف بتأثير الجزر الحرارية الحضرية، حيث تسجل المناطق الحضرية كثيفة البناء درجات حرارة أعلى بكثير من المناطق الريفية المحيطة، ومع ازدياد وتيرة التحضّر، تتفاقم هذه الظاهرة، وتزيد من الضغط على البنية التحتية والخدمات الصحية.

وفق المنظمة، حلّ يوليو 2025 كثالث أكثر الشهور حرارة على الإطلاق بعد يوليو 2023 و2024، فقد اجتاحت موجات حر شديدة أوروبا، آسيا، شمال إفريقيا، وأجزاء من الأمريكتين، وسط توقعات باستمرار هذه الظاهرة في الأسابيع المقبلة.

من الشمال إلى الجنوب

شهدت السويد وفنلندا صيفاً حارقاً بدرجات حرارة تجاوزت 30 درجة مئوية لأيام متتالية، وهو أمر غير معتاد في هذه الدول الشمالية. أما تركيا، فسجّلت رقماً قياسياً وطنياً جديداً بلغ 50.5 درجة مئوية، ما أدى إلى اندلاع حرائق غابات وإجلاء السكان.

في آسيا، تجاوزت الحرارة 42 درجة مئوية في مناطق متعددة، ولامست 45 مئوية في جنوب باكستان، بينما سجّلت إيران والعراق أكثر من 50 درجة مئوية، مما أدى إلى تعطيل المدارس، وانقطاع الكهرباء والمياه.

اليابان حطّمت رقماً قياسياً وطنياً جديداً في 5 أغسطس عند 41.8 درجة مئوية، متجاوزة الرقم السابق بأيام قليلة فقط.

شمال إفريقيا وأمريكا: استمرار الخطر

المغرب أصدر تحذيرات واسعة من موجة حر تجاوزت 47 درجة مئوية، فيما تتجه الولايات المتحدة، خصوصاً الجنوب الغربي، نحو موجات جديدة من الحرارة تتخطى 45 درجة مئوية، وسط قلق من تصاعد حرائق الغابات.

حرائق الغابات.. اللهب يسبق الدخان

تواجه كندا موسم حرائق يُعد من الأسوأ على الإطلاق، أتى على 6.6 مليون هكتار من الغابات، وتسبب في تلويث الجو بالدخان في معظم مقاطعاتها وأجزاء من الولايات المتحدة.

الدخان الكثيف عبَر المحيط الأطلسي مرتين هذا الصيف، وغطّى سماء أوروبا الغربية وأجزاء من الجنوب الأوروبي في يونيو وأغسطس.

في قبرص واليونان وتركيا، أجبرت النيران آلاف الأشخاص على الإخلاء، فيما أدت حرائق في متنزه غراند كانيون بأريزونا إلى إغلاق مناطق سياحية شهيرة، أما في شمال اللاذقية السورية فتعوق التضاريس الوعرة والذخائر غير المنفجرة جهود الإطفاء وسط تقييمات عاجلة من فرق الأمم المتحدة.

دعوات عاجلة وخطط إنذار مبكر

قالت كو باريت، نائبة الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: تُعرف الحرارة الشديدة أحياناً بالقاتل الصامت، لكن في ظل التقنيات والبيانات المتوفرة اليوم، لم يعد الصمت مقبولاً، كل وفاة بسبب الحرارة الشديدة يمكن تفاديها.

المنظمة تعمل ضمن مبادرة "إنذارات مبكرة للجميع"، لتطوير نظم إنذار مبكر مخصصة للحرارة، ولضمان وصول التحذيرات للسكان المعرضين للخطر في الوقت المناسب.

تحرك دولي متكامل

المنظمة تدعم "دعوة الأمين العام للعمل بشأن الحرارة الشديدة"، بالتعاون مع عشر وكالات أممية، وتركز الجهود على تقليل ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية فقط فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، التزاماً باتفاق باريس.

تقديرات تشير إلى أن نشر أنظمة إنذار صحي بالحرارة في 57 دولة يمكن أن ينقذ نحو 100,000 شخص سنوياً.

وأكدت جوي شوماكي-جيلموت، قائدة البرنامج المشترك بين الأرصاد العالمية ومنظمة الصحة العالمية، أن هذه ليست مجرد أزمة مناخ، بل حالة طوارئ صحية عالمية، لا يمكن أن نترك أي مجتمع خلف الركب في سباق التكيف مع واقع جديد وقاسٍ.

تؤثر الحرارة الشديدة على الجسم البشري بعدة طرق، فمع ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ التعرّق، ما يؤدي إلى ارتفاع حرارة الجسم الداخلية، وعند تجاوز عتبة معينة، يمكن أن تحدث مضاعفات خطيرة مثل ضربات الشمس، والجفاف الحاد، واضطرابات القلب والأوعية الدموية.

الأكثر عرضة للخطر هم كبار السن، والأطفال، والعمال في الهواء الطلق، بالإضافة إلى من يعانون أمراضاً مزمنة، وتزداد الخطورة في المدن المكتظة حيث لا توجد مساحات خضراء كافية، أو حيث تكون البنى التحتية غير مهيأة لتحمّل الحرارة.

تعد الحرارة الشديدة أحد أكثر الظواهر المناخية فتكاً، وغالباً ما يتم التقليل من خطرها مقارنة بالكوارث المفاجئة مثل الفيضانات أو الأعاصير، رغم أن ضحاياها أكثر عدداً وتأثيرها أطول مدى.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية